موقع مدينة نابلس الالكترونية يتغيّر
زوار موقعنا الأعزاء!
لعلكم تلاحظون أن الموقع يتغير وأن العديد من الزوايا قد تم الغاؤها، وأن التركيز أصبح أكبر على المحتوى، لأن الغرض من موقع مدينة نابلس الالكترونية هو تقديم المحتوى المتقدم عن المدينة، فقد قمنا بحجب الكثير من المحتوى الغير منظم ويجري حالياً مراجعة كامل المحتوى وسيتم نشره تباعاً حسب وفرة الوقت للمحرر.

مدير ومؤسس الموقع: م. سامي الصدر

مقال اليوم
قدري عاشور : سقط شهيداً في ليلة القدر

 

"ليس ببعيدٍ عن الحياة الرمضانية تحت الاحتلال , تحيى نابلس ليلها بعيداً عن طبيعتها في شهر رمضان المبارك ، أربعة أعوامٍ و الخوف ما زال سيّد الموقف في ليل مدينة الحواجز العسكرية و البوابات ... و يمضي رمضان" .

 

شهيدٌ جديد :

قدري عاشور شهيدٌ آخر سقط برصاص الاحتلال مع تناول المواطنين لطعام الإفطار ليلة القدر الرمضانيّة , كان ينتظر أذان المغرب , أراد أنْ يرتوي فكان قدره أنْ تكون شربته من الكوثر , و أنْ يلاقي الله صائماً , والد الشهيد قدري توجّه للبيت و بقيَ ابنه مكانه في محل بيع الحلويات على دوار الشهداء وسط مدينة نابلس التي عرفت بازدهار أسواقها الليلية في رمضان , كان قدري يعلم أنّ الوقت هو من ساعات نابلس المستباحة طوال اليوم , لكنّه ما كان يدري أنّ موعداً مع الشهادة قد رتبه له وقوفه على قارعة الطريق في ساعة الإفطار , و لم يكن يعلم أنّه في المكان أو الزمان الخطأ , و لم يكن ليعلم أنّ المواطنين الذين سيحضرون بعد إفطارهم لشراء الحلويات لن يشاهدوه , و ربما سيشارك أغلبهم في اليوم التالي في جنازته , هذا معنى أنْ تعيش تحت الاحتلال "يلخّص الحدث حكاية الفلسطينيين مع محتلهم" , فهنا مجرّد حياتك جريمة قد تُعاقب عليها بالموت في أي لحظة .

 

دورة الحياة :

"خروب ، عسل" ، "سوس ... سوس" ، "تمر هندي" ، عبارات علقت بالذاكرة الشعبية الفلسطينية , و أصبحت جزءاً ملازماً لطبيعة شهر رمضان , لكنّها مقصورة على ساعات المساء و قبل الإفطار , أمّا الليل فلا تكاد تجد فيه علامات توحي أنك تعيش رمضان إلا بحركة الناس على عجل ذهاباً للمساجد و إياباً لمنازلهم بعد صلاة التراويح , ثم تعلن الساعة وقف عقاربها و تتوقّف نبضات الحياة .

 

و ليس باعة المشروبات الرمضانية من تمرٍ و سوس و خروب و غيرها من المشروبات التي بات بيعها تقليداً رمضانياً و فلوكلوراً شعبياً ، ليسو وحدهم من يختفون في ليل نابلس الرمضاني ، محلات الكنافة النابلسية الشهيرة أيضاً تواصل فتح أبوابها لساعاتٍ قليلة بعد الإفطار ثم تغلق ، و كذلك المقاهي و أماكن السمر التي يتبادل فيها المواطنون أطراف الحديث المكرّر عادة , حيث يقول صاحب إحدى محلات الكنافة و الضيق بادٍ عليه : "رمضان موسم ، ساعات النهار نمضيها بالتحضير وإعداد الحلويات ثم يبدأ ماراثون البيع" .

 

تعاقب الحياة و الموت :

و تقود الأوضاع الحياتية ذلك الرجل لعقد مقارنة بين اليوم و أحوال الأمس قائلاً : "هذه الأيام لم نعدْ نستخدم عبارة "نفّقنا" لأنّ بضاعتنا دائماً موجودة ، نحن نعاني الكساد , في السابق كنّا نبيع بعد العصر إلى المغرب , و نفتح أبوابنا حتى ساعاتٍ متأخرة من الليل ، كان الزبائن يحضرون إلينا لتناول أطباق الحلويات و خاصة الكنافة النابلسية داخل المحلات ، أمّا اليوم فنحن نختصر الكميات كثيراً ، لا نستطيع أن نفتح محلاتنا ليلاً" .

و يتحدّث صاحب المحل عن عددٍ كبير من المخاطر التي يمكن أن يلاقيها إذا استمرّ في فتح محله ليلاً , لكنّه يعد الوحشة و عودة الناس إلى بيوتها أول المحبطات قائلاً : "لماذا أنا مضطر لفتح المحل ليلاً و أنا أرى الشوارع خالية من المارة ، بضع سيارات تنقل من كانوا يتزاورون أو يتبادلون العزائم في الشهر الفضيل و أولئك متخمون من الضيافة و ليس بودهم تناول أطباقٍ من الكنافة فلمن أفتح المحل ليلاً" .

 

و يضيف أنّ الوضع الأمنيّ لا يساعد قائلاً : "هنا الظروف لا تخدم طبيعة العمل الليلي ، ربما تحسّنت الأحوال قليلاً عمّا كانت عليه قبل عامٍ أو عامين لكنّ العمل ليلاً مجازفة كبيرة ، لا تدري أيّ ساعة قد يحضر إلى الشارع جيبٌ للاحتلال فلا تدري كيف و من أين يبدأ الاشتباك , و لا تعلم إنْ كنت ستقتل أصلاً حتى دون اشتباك كما حدث مع الشهيد عاشور" .

و يستشهد الكثير من المواطنين على تردّي الحياة الأمنية و ما خلفته من أضرارٍ بالحياة الاجتماعية و الاقتصادية بحادث استشهاد الشاب عاشور و لسان حالهم يقول إنّ الموت في نابلس هو أقرب الأشياء للإنسان , يكفيك أنْ تعيش هنا لتضع حياتك أمام فوهة البندقية .

 

و يرى صاحب المحل هذا أنّ حياته كلّها في كفّة موازية لعمله و بيع بضعة أطباق من الحلويات قائلاً : "لست المتضرّر الوحيد ، هكذا الظروف ، المقاهي تعدّ ليل رمضان موسماً و مع ذلك تجبرها الظروف على الإغلاق ليلاً ، الحياة هنا صعبة جداً , و علينا أنْ نتكيّف مع هذه الظروف , ربما يكون رصاصهم قاتلاً , لكنّنا لن نقتل أنفسنا بأيدينا خوفاً على الحياة , و لن نتوقّف عن مزاولة أعمالنا و نشاطنا لأنّ هذا العمل موت كذلك" .

سقوط الشهيد عاشور في نابلس أثار المشاعر الساخطة و الحزينة في قلوب المواطنين الذين تشرق شمسهم كلّ يومٍ لتحمل لهم نبأ نائبة جديدة حلّت بهم في ليل رمضان .

 

ماذا تعرف عن!
تصميم وتطوير: ماسترويب