موقع مدينة نابلس الالكترونية يتغيّر
زوار موقعنا الأعزاء!
لعلكم تلاحظون أن الموقع يتغير وأن العديد من الزوايا قد تم الغاؤها، وأن التركيز أصبح أكبر على المحتوى، لأن الغرض من موقع مدينة نابلس الالكترونية هو تقديم المحتوى المتقدم عن المدينة، فقد قمنا بحجب الكثير من المحتوى الغير منظم ويجري حالياً مراجعة كامل المحتوى وسيتم نشره تباعاً حسب وفرة الوقت للمحرر.

مدير ومؤسس الموقع: م. سامي الصدر

مقال اليوم
يامن فرج .. الصحافيّ الذي سطّر بدمائه أروع صفحات المقاومة

 

كان يامن يدرس في الصف الثالث الابتدائيّ حينما طُلِب منه إلقاء قصيدة في احتفالٍ نظّمته مدرسته في الأردن حينما فاجأ جميع الحضور و بدأ يردّد: "أنا الطفل الفلسطينيّ .. قوي كالبراكينِ" .... فلم يكن أمام مديرة المدرسة سوى المسارعة إلى إسكاته و إنزاله عن المنصة .

 

تلك الحادثة التي كشفت عن نموٍّ مبكّر للحسّ الوطني لدى الشهيد يامن فرج ، القياديّ البارز في كتائب أبو علي مصطفى الجناح العسكري للجبهة الشعبية ، كشفت كذلك عن روحٍ وطنية وقّادة و وعي سياسيّ تبلورت ملامحه مع مرور السنين ليتحوّل إلى غضبٍ عارم على الاحتلال و كلّ ما يمتّ له بصلة .

 

كان مقتنعاً أنّ فلسطين لا تحتاج للكلام الكثير ، فحصل على شهادة الصحافة ، و ألقى بقلمه جانباً ، و التحق بصفوف المقاومة لينهي حياته قابضاً على السلاح ، و ليكتب بدمائه ما عجزت عنه كلّ أقلام الصحافيين .

و يقول طيب علي فرج – والد يامن : "كنّا نقول إنّه لن يعيش طويلاً ، لقد كان محبّاً للسياسة و غرائب الأمور ، و يُقبِل عليها بشجاعة نادرة .. يتحدّى الصعاب و يعشق المغامرات .." ، و يضيف : "لقد شارك و هو في سنّ العاشرة في حفل تأبين الشهيد غسان كنفاني" .

 

و عن حياة و نشأة يامن ، يقول والده إنّه وُلِد في بلدة مادما قضاء نابلس عام 1978 ، و انتقل بعد ثلاث سنوات للعيش في مدينة الرصيفة بالأردن حيث كان والده يعمل في الكويت ، و بقيَ يامن في الأردن ستّ سنوات حتى انتهاء الصف الثالث ، حيث عاد إلى مسقط رأسه ليكمِل تعليمه هناك .

نشأ يامن وسط عائلة كبيرة قوامها 14 فرداً ، و رغم ذلك فقد كان متفوّقاً في دراسته كما هو حال باقي إخوته الثمانية ، فالوالد يحبّ العلم ، و هو كما يقول مستعدٌّ للتضحية حتى بدمائه إنْ لزم الأمر لتعليم أبنائه .. "شعبنا لا يمكن له أنْ ينتصر بدون العلم .." قال والده .

 

ولعُهُ بالسياسة و النشاط المقاوم جرّ عليه المتاعب ، فاعتقل أواخر الانتفاضة الأولى و قضى 14 شهراً في السجون الصهيونيّة ، و أصيب في اليوم الأول لانتفاضة الأقصى بجراحٍ في القدم اليمنى و الفخذ في المواجهات التي كانت تدور قرب قرية كفر قليل عند المدخل الجنوبي لنابلس ، ذلك الموقع الذي خطف عشرات الشهداء مطلع الانتفاضة الحالية .

و بلغ من إصرار يامن على مواصلة تعليمه أنْ أكمل السنة الأخيرة من دراسته الجامعية بقسم الصحافة في جامعة النجاح و هو مُلاحقٌ من قِبَل قوات الاحتلال التي لم تنفك تداهم منزل العائلة في مادما بين الحين و الآخر علّها تظفر به و تنال منه .

 

و يؤكّد والده أنّه كان يكتب في وسائل الإعلام المحلية بأسماء مستعارة ، فقد كان شغوفاً بالسياسة و العمل الصحافيّ ، و كان من أقرب أصدقائه الشهيد الصحافي محمد البيشاوي الذي قضى عام 2001 إثر قصف الطائرات الحربية الصهيونيّة لمكتب الدراسات بنابلس .

لكن حبّ الصحافة ، كما يقول والده ، لم يكنْ ليحول بين يامن و العمل العسكريّ ، فخاض غماره بكلّ ثقةٍ و دون تردّد ، رغم علمه بالمتاعب و التضحيات التي سيتكبّدها أهله ، إذ هدمت قوات الاحتلال منزل العائلة ، و شرّد أفراد أسرته على عددٍ من منازل الأقارب و الجيران .

 

و حتى مبلغ الـ 3 آلاف دولار الذي تلقّاه للمساعدة في إعادة بناء منزل العائلة أخذه و اشترى به سلاحاً و ذخيرة ، "ففلسطين بيته الأكبر و هي تحتاج لمن يضحي بمنزله الشخصي من أجلها .." كما يقول والده ..

لم تكنْ فلسطين بالنسبة ليامن بيتاً و وطناً فحسب ، بل كانت أمّه و أبوه و كلّ أهله ... كان يقول لأمّه : "عندك تسعة أبناء ، يكفيكِ منهم ثمانية و اتركي واحداً لفلسطين ..!" .

أنْ تكون مقاوماً للاحتلال لا يعني أنْ لا تعيش كسائر البشر .. حكمة آمن بها يامن الذي كان في أسابيعه الأخيرة يجهّز لخطبة إحدى الفتيات ، كان يقول لوالده الذي حاول ثنيه عن ذلك : "لو كنت أعلم أنّ موتي سيكون بعد ساعة فسأواصل حياتي كالمعتاد" .

 

و كان أنْ حدّد يامن موعد الزفاف يوم السبت 9/7/2004 ، لكنّ الشهادة كانت اأقرب إليه من ذلك ، فاستشهد يوم الثلاثاء من الأسبوع السابق خلال اشتباكٍ مسلح عندما داهمت قوات الاحتلال المنزل الذي تحصّن فيه مع رفيق دربه الشهيد أمجد مليطات "أبو وطن" و قُتل في تلك الليلة ضابط و جنديّ صهيونيان .

تأثّر يامن باستشهاد اثنين من رفاقه جبريل عواد و فادي حنني أواخر العام الماضي ، و مع توالي حملة الاغتيالات في صفوف قيادات المقاومة في نابلس ، أحسّ يامن بمؤامرةٍ تُحاك في الظلام تستهدف كلّ من يرفض إلقاء السلاح ، و تعزّزت هذه القناعة لدى يامن عند استشهاد نايف أبو شرخ قائد كتائب شهداء الأقصى و عدد من قادة كتائب القسام و سرايا القدس قبل عشرة أيامٍ فقط من استشهاده ، و تحدّث عن ذلك صراحة و على مسامع الحاضرين في حفل تأبين نايف أبو شرخ .

 

و بعد استشهاد نايف كان يامن مشغول البال و كأنّه كان يعلم بقرب منيّته ، حتى أنه وصّى رفاقه بمكان دفنه ، و يقول والده : "بعد استشهاد يامن سألني رفاقه أين تريد أن تدفنه ؟ فأجبت : عند بداية المقبرة و قرب الشارع حتى يكون قريباً من زواره ... عندها أطرق رفاقه و نفرت الدموع من عيونهم ، فسألتهم عن سبب ذلك ، فقالوا إنّ ذلك ما وصّى به يامن بالتحديد ..!" .

و يقول الوالد و قد أجهش بالبكاء : "الله يرضى عليه .. كان أملي و زهرة أولادي .. كان يقول لي (إرفع رأسك يا أبي) .. الحمد لله ، لقد رفع رأسنا عالياً .." . و يضيف : "يامن ابن الجميع ، لم يكنْ متعصّباً لأيّ فصيل ، الكلّ كان يحبّه داخل البلدة القديمة بنابلس .. مش خسارة في الوطن" .

 

كان محباً للناس ، و يؤثرهم على نفسه .. يقول والده ، و يضيف : "إحدى النساء كانت تنتحب يوم جنازته و تقول (سنموت من الجوع بعد اليوم) ، و عندما سألت رفاق يامن عن تفسير ما تقوله تلك المرأة ، أجابوني أنّ يامن كان ينفق من مخصّصاته على الفقراء ، و قبل أسبوع سدّد مبلغ 100 دولار لبائع الألبان ثمن بضائع اشتراها للمحتاجين" .

قوات الاحتلال التي ذاقت الويلات على يد يامن جاءت بعد استشهاده للتشفي بعائلته ، و قال الضابط الصهيونيّ لوالده : "ها قد قتلنا ابنك .. ألم ننصحك مراراً بتسليمه لنا ؟" ، فيجيبه الوالد : "لكن ابني هو الذي انتصر في النهاية ، فابني شهيد و أنا لم أخسره ، لكن أنتم الذين خسرتم ضابطاً و جندياً" ... فيحاول الضابط إثارة الرعب في نفوس أشقاء يامن و يقول لهشام : "متى سنرى "بوستراتك" أنت أيضاً"..

المعركة التي بدأها الاحتلال لم تنتهِ بعد في نظر والد يامن ، و ما يمارسه الاحتلال من عدوانٍ متواصل لا يدعو أبداً إلى الاستغراب .. "فهو عدوٌّ و علينا أنْ نواصل المعركة التي انتصر فيها يامن و كلّ الشهداء" .

 

ماذا تعرف عن!
تصميم وتطوير: ماسترويب